• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أهو طفلي أم ابن حماتي؟

أهو طفلي أم ابن حماتي؟

◄لا أظنّ أنّ بيننا كلاماً كثيراً.. هي حماتي وأنا زوج بنتها الصغيرة.. كنت قد نويت أن نعيش في شقّة نستأجرها على قدر إمكاناتي.. ابني فيها حياتي مع عروسي.. من دون رقيب ولا وَجَع رأس؛ لكن والدة سلمى أصرّت على أن نسكن عندها في البيت الكبير.. توسّلت بي لكي لا تبقى وحيدة.. لقد تجاوزت الستين من عمرها، وقد أشفقت عليها وطاوعتها وتخلّيت عن طرف من كرامتي.. ففي عشيرتي يُسمّون مَن يُقيم عند زوجته: (قعيدي).. وهو لقب غير مستحَب، طبعاً.. القعيدي هو الذي لا يملك أن يفتح بيتاً يتزوّج فيه ويؤسِّس عائلة لا تكون ضيفة، إنْ لم نقل عالة، على الغير.. حتى لو كان هذا الغير أقرب الناس..

سارت الأُمور في البداية على ما يُرام.. ولمّا ظهرت بوادر الحمل على سلمى، تغيّرت تصرّفات والدتها.. إنّها مشغولة بالطفل المقبل وكأنّه طفلها، تشتري له الثياب وتُجهِّز له لوازمه وسريره وحوض استحمامه وحتى ألعابه وسياراته الصغيرة، بل إنّ حماتي صارت تتصرّف وكأنّها هي المرأة الحبلى، ونراها أحياناً تشتهي عنباً أسود، أو زيتوناً، أو طبخة محشي ورق عنب في آخر الليل، مثل مَن تتوحّم وتخشى أن تظهر بقعة سوداء على خد المولود، إذا أنا لم ألبِّ طلبها وأنزل لكي اشتري لها العنب.

مع تَقدُّم ابنتها في أشهر الحمل، زادت لَجاجَة حماتي وصارت تُقلقني كثيراً.. أنزعج حين تطلب من سلمى أن تنتقل للنوم معها في غرفتها، بحجّة الاعتناء بها ورعايتها في أشهرها الأخيرة.. وقد انزعجت واضطررت إلى رفع صوتي حين قررت حماتي أنّ المُعاشرة الزوجية تُسبِّب الإجهاض.. هل تتصوّرني وحشاً من دون لياقة أو رجلاً أرعَن جِلفاً يُمكن أن يقوم بممارسات تؤذي زوجته الحامل بطفله؟ بصراحة، لم أعد أعرف ابن مَن سيكون الولد، طفلي أم لعبة حماتي.

إنّ والدتي تتشاءم من شراء لوازم الوليد قبل استكمال أشهر الحمل؛ لكن والدة زوجتي لا تسمع أي رأي غير رأيها، ولا تُقيم وزناً لما تنصح به أو تقترحه والدتي.. وأنا أخشى أن تنتهي الأُمور بنزاعٍ وخلاف أضطر معه إلى مغادرة البيت الذي نُقيم فيه ضيوفاً ننصاع لأوامر صاحبته.. وكلّ هذا التوتر يؤثر في سلمى وفي صحّتها، وعلى سلامة طفلنا المنتظر.. إنّها صاحبة القرار.. فإمّا أن تواجه والدتها وتضع حدّاً لتدخلاتها، وإمّا الرحيل إلى بيت لنا وحدنا.

 

- لن يسلبني فرحة آخر العمر:

ما كان يمكن لي التفريط بسلمى، صغيرتي وآخر العنقود.. لقد رَحَل أبوهم للقاء رَبّه، وتزوّج الكبار كلّهم وبقيت حبيبة أُمّها، تؤنس وحدتي وتملأ عليَّ البيت وأسمع منها صوتاً يُحادثني لكي لا أبقى بمفردي، أتكلّم مع نفسي ومع التلفزيون والتليفون.. لذلك، حين جاء ابن الحلال يطلب يد سلمى، كان شرطي واضحاً لا يقبل النقاش: إمّا أن يأتي ليقيم معنا، أهلاً وسهلاً به، أو مع السلامة، ليبحث عن نصيبه خارج هذا البيت.

وافق العريس لأنّه كان مُعجباً بابنتي. وأغلب الظن أنّه كان يحبّها.. أمّا هي فلم تقل لي شيئاً سوى أنّه تراه مناسباً لها وطيِّباً وقريباً من القلب. وبعد شيء من التفاهم وافق على شرطي، وقال إنّه يعتبرني بمثابة والدته وليس من شيَم الرجال أن يتركني أعيش بمفردي.. وقد كان الحل في رأيه، أن يأخذني لأقيم في الشقة التي ينوي استئجارها بعد الزواج.

لم اتعوّد السكن في الشقق والعمارات التي تجمَع أشكالاً من الأغراب، ثمّ إنّ ولدي الكبير أولى بي، غير أنّني لم أكن أتفاهم مع زوجته، لذلك بقيت في بيتي مادام أنّ سلمى كانت معي، وقد وعدتني بألّا تُفارقني وبألّا ترتبط إلّا بمن يوافق على العيش في بيتنا الكبير الذي يتسع عائلات عدّة.. وهكذا كان.. لذلك كانت فرحتي مضاعفة بزواج صغرى بناتي.. هي سعيدة بمن تريد وأنا سعيدة بهما.. سعادتً زادت وبلغت الأوج عندما عرفت أنّها تنتظر مولوداً.

هذا الطفل سينعش حياتي ويُعيد روح الحياة وصَخَبها إلى منزلي الكبير الهادئ الصامت.. صحيح أنّه ليس أوّل أحفادي؛ لكنّه المولود الذي سيتربّى في حضني، وكأنّه ولدي.. لماذا يستكثر عليَّ أبوه هذه الفرحة؟ ينظر إليَّ باستنكار وأنا اشتري ثياب الطفل وأؤثثت غرفته وأجمع ألعابه.. كأنّ نظراته تتهمّني بأنّني أخطف طفله منه.. وأنا لا أحبّ الجحود، ولن أسمع لسلمى بأن تُغادر هذا البيت مهما حدث.. لن يسلبني زوجها فرحة آخر العمر ويدفنني وأنا مازلت حيّة أتنفّس.►

ارسال التعليق

Top